الشرق الأوسط- تحالف رباعي ضروري للاستقرار والازدهار

المؤلف: كمال أوزتورك11.16.2025
الشرق الأوسط- تحالف رباعي ضروري للاستقرار والازدهار

لقد تعلمنا من صفحات التاريخ وخبرات الواقع الجيوسياسي، وأدركنا من خلال دراسات علم الاجتماع، حقيقة جلية لا يمكن إنكارها: إذا ما تخيلنا منطقة الشرق الأوسط كطاولة شامخة، فإن استقرارها وارتفاعها يعتمد على أربع دعائم أساسية: تركيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وجمهورية إيران الإسلامية.

فإذا تعرضت إحدى هذه الدعائم للكسر أو الضعف، فإن التوازن سيختل، ولن تستقيم الطاولة بعد ذلك.

وإذا كنا نتطلع إلى مستقبل مزدهر، وإلى الاستفادة من خيرات هذه المنطقة الغنية، فإنه من الضروري أن تقف هذه الدول الأربع قوية، متحدة، متعاونة، ومتناغمة في رؤاها وأهدافها.

أوروبا حققت النجاح.. فما الذي يمنعنا من الاقتداء بها؟

على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهنا، فإن الحقائق السياسية الراهنة تؤكد أن هذا ليس ضربًا من الخيال، بل ضرورة ملحة لا يمكن تجاهلها. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، التي خلفت وراءها ملايين القتلى والدمار الشامل، جلست دول مثل إنجلترا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، التي كانت بالأمس القريب تتقاتل وتتناحر، على طاولة المفاوضات لتأسيس الاتحاد الأوروبي. لم يكن أحد يتخيل أن هذا ممكنًا، ولكن عندما وضعت المصالح المشتركة للشعوب والدول نصب الأعين، اتضح أن تأسيس هذا الاتحاد هو الحل الأمثل.

وفي عام 1957، اجتمع قادة هذه الدول في قاعة أورازي كيورازي في قصر كامبيدوجليو في روما، وأمام تمثال البابا، وقعوا على هذه الاتفاقية التاريخية، في الوقت الذي لم تكن دماء الحرب قد جفت بعد.

لقد تجاوزوا خلافات الماضي، وتناسوا الضغائن والأحقاد، ووقعوا اتفاقية تعود بالنفع على الجميع. واليوم، نشهد ثمار ذلك الاتحاد، ونرى كيف استفادت جميع الدول الأعضاء. فما الذي يمنعنا من أن نسلك نفس الطريق؟

العالم الإسلامي أمام منعطف تاريخي حاسم

يشهد الشرق الأوسط اليوم أسوأ مرحلة من الفوضى والاضطرابات منذ نهاية الحرب العالمية. فالحروب الأهلية تستعر في خمس دول، وهناك اضطرابات واحتجاجات واسعة النطاق وعدم استقرار سياسي واقتصادي في عشر دول أخرى، نتيجة الانقلابات العسكرية والأزمات الاقتصادية والهجمات الإرهابية الشنيعة.

بالإضافة إلى ذلك، يستمر الاحتلال الإسرائيلي الغاشم لفلسطين، والذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة. ولا ننسى أيضًا الأوضاع المأساوية في اليمن وسوريا ولبنان، التي تتعرض للقصف والعدوان من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

وفي ظل هذه الظروف العصيبة، تعجز الدول الإسلامية عن التوحد والعمل معًا، وعن اتخاذ قرارات حاسمة أو التدخل الفعال في الأحداث. إننا نعيش حالة من الشلل التام والفوضى العارمة.

لم يشهد العالم الإسلامي مثل هذا التشتت والانقسام من قبل. وعندما تتنازع الدول الأربع الكبرى، فإن ذلك يؤدي إلى تفاقم الفوضى وتعميق الأزمة.

ولكن هناك مخرج واحد من هذا النفق المظلم، وهو إصلاح الخلل في الطاولة المنهارة. ويتطلب ذلك اجتماع الدول الأربع الكبرى والأكثر تأثيرًا في المنطقة، التي تشكل دعائم الاستقرار والتوازن.

صحيح أن هناك خلافات عميقة وجذرية بين هذه الدول، وصراعات عقائدية خطيرة واختلافات في الرأي والمصالح. ولكن، صدقوني، هذه الخلافات ليست أكبر من تلك التي كانت قائمة بين الدول التي أسست الاتحاد الأوروبي.

وعلى مر التاريخ، كلما اشتدت الخلافات بين هذه الدول الأربع، تعرض العالم الإسلامي للغزو والاحتلال، ودمرت مدنه، وشرد الملايين من أبنائه.

إن القوى الغربية تسعى جاهدة لإشعال الفتن وتأجيج الصراعات بين هذه الدول الأربع، بهدف منعها من التوحد والحفاظ على استقرار المنطقة.

وبسبب الصراعات والخلافات بين مصر وتركيا، وإيران والمملكة العربية السعودية، تتمتع إسرائيل بحرية التصرف وتنفيذ مخططاتها الاحتلالية في فلسطين.

  • ولهذا السبب، تستطيع روسيا التدخل في سوريا بسهولة وإنشاء قاعدة عسكرية.
  • ولهذا السبب، تستطيع فرنسا قصف ليبيا وتقسيمها إلى مناطق نفوذ.
  • ولهذا السبب، تستطيع بريطانيا والولايات المتحدة قصف اليمن وتدمير بنيته التحتية.
  • ولهذا السبب، تستطيع إسرائيل قصف لبنان وسوريا واغتيال شخصيات بارزة. والأمثلة على ذلك كثيرة ومؤلمة.

إن الدول الاستعمارية تستغل الصراعات بين هذه الدول الأربع والدول الأخرى الواقعة تحت تأثيرها، لبيعها الأسلحة بمليارات الدولارات. بل إنها تقوم بتخفيض أسعار الأسلحة لتشجيعها على الاقتتال وإراقة الدماء.

خطر الاحتلال والإبادة الجماعية يهدد الجميع

صحيح أن لدينا تحفظات وانتقادات لسياسات هذه الدول وهياكلها العقائدية وأفعالها، ولكن حان الوقت لتجاوز هذه الخلافات وتوحيد الصفوف.

إن عدم اتخاذ قرارات مشتركة في منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، والتقاعس عن تقديم الدعم اللازم لفلسطين، يعود في الأساس إلى غياب التوافق والتنسيق بين هذه الدول الأربع.

إننا نعيش في زمن شديد الخطورة، وإذا لم يتحد العالم الإسلامي، وخاصة هذه الدول الأربع، ويتفقوا على رؤية مشتركة، فإن الاحتلال والإبادة الجماعية التي عانت منها فلسطين ستطال دولًا أخرى.

إن الفوضى التي تعم منطقتنا تمثل فرصة ذهبية للدول الاستعمارية في الشرق والغرب، التي تطمع في الثروات الطبيعية والنفط والتجارة في الدول الإسلامية.

ولا ننسى أيضًا أن الشعوب العربية والإسلامية تشعر بغضب عارم تجاه ما يحدث في فلسطين، وأن ردود الفعل على سياسات حكوماتها كبيرة جدًا. وحتى في الدول التي تحظر المظاهرات الداعمة لفلسطين، تحاول الشعوب التعبير عن تضامنها مع القضية الفلسطينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذا الضغط الشعبي والاختلاف في السياسات لن يستمر طويلاً، حيث ستنطلق الاحتجاجات والمظاهرات الحاشدة ضد الحكومات في الشوارع قريبًا.

علينا التحرك قبل فوات الأوان لإنقاذ مستقبل أجيالنا القادمة

يجب على هذه الدول الأربع أن تتحرك قبل أن تشتعل الشوارع وتتفاقم الأوضاع، وقبل أن تشن الدول الغربية المزيد من عمليات الاحتلال والإبادة الجماعية. يجب أن تجتمع وتتفق على رؤية مشتركة، ثم تقنع الدول الأخرى بتغيير مسار الأحداث في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

إن الزيارات التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، والمصافحات التي تمت، كانت خطوة أولى نحو تجاوز الخلافات.

والآن، حان الوقت لكي تحذو الدول الأخرى حذوها، وأن تستضيف طهران والرياض والقاهرة وأنقرة قادة الدول لإرسال رسائل قوية إلى العالم أجمع.

وإلا، فلن يبقى لنا مكان آمن ليعيش فيه أطفالنا وأحفادنا.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة